{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } هود (84)
أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل
"مدين" بدعوة التوحيد وهي نفس الدعوة التي دعى لها كل نبي، ولا تختلف من
نبي إلى آخر، وهي أساس العقيدة، وبغير هذا الأساس لا ينهض بناء، وبعد قضية التوحيد
مباشرة، ينتقل النبي إلى قضية المعاملات وإلى قضية الأمانة والعدالة.
كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا
يعطون الناس حقهم، وكانوا يعتبرون بخس الناس أشياءهم نوعا من أنواع المهارة في
البيع والشراء، ثم جاءهم نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة، وأنه يخاف عليهم
بسببها من عذاب يوم محيط.
يستمر شعيب في دعوته ويكرر نصحه لقومه، ويوصيهم
أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.
{وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ
فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } هود (85)
ولتنظر للتعبير القرآني (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) وكلمة الشيىء تطلق على الأشياء المادية والمعنوية، وليس بخس الناس
أشياءهم أو حقوقهم مقصورا على البيع والشراء، وإنما النهي عن البخس هو أمر يشمل كل
العلاقات بين البشر وبعضهم البعض أفرادا وجماعات ودولا وأمما.
يؤكد نص الآية على تحريم الظلم، سواء كان
ظلما في وزن الفاكهة أو الخضروات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم، وذلك أن
ظلم الناس يشيع في الحياة مشاعر من الألم واليأس واللامبالاة، وتكون النتيجة أن
ينهزم الناس من الداخل، وتنهار علاقات العمل، وتلحقها القيم، ويشيع الإضطراب في
الحياة، وتستكمل الآية تحذيرها من الإفساد في الأرض قصدا وعمدا.
انتقل الحديث من شعيب - عليه السلام - إلى
قوم شعيب فقالوا لنبيهم: {قَالُواْ يَا
شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ
فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } هود (87)
سخروا من شعيب وتهكموا عليه وقالوا كيف
تتدخل صلاتك في أن نترك ما كان يعبد آباؤنا وكيف تتدخل صلاتك في إرادتنا وطريقة تصرفنا
في أموالنا، فما هي علاقة الإيمان والصلاة بالمعاملات المادية؟!
لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم
اليومية، وسلوكهم، واقتصادهم، وطريقة إنفاقهم لأموالهم بحرية، فحرية إنفاق المال
وإهلاكه والتصرف فيه شيىء لا علاقة له بالدين، وهذا هو فهم قوم شعيب للإسلام الذي
جاء به شعب، وهو لا يختلف كثيرا أو قليلا عن فهم عديد من الأقوام في زماننا الذي
نعيش فيه؟!
ولو أنك سألت قوم شعيب عن تصورهم للدين
لأخبروك أنه مجموعة من القيم الروحية الطيبة التي لا تتدخل في الحياة اليومية،
وبهذا الفهم يتحول الدين إلى مجموعة من الطقوس المزركشة والمراسيم الميتة، وهذا
فهم مضحك، لأن الله لا يرسل أنبياءه للهو واللعب .. سبحانه وتعالى علوا كبيرا على
ذلك .. إنما يرسل أنبياءه بأسلوب جديد للحياة يحتوي على قيم وأفكار لا يكون لها
معنى إذا لم تتحول إلى نظام يحكم الحياة العامة ويحكم الحياة الخاصة على إمتداد الوقت.
الدين في حقيقته صلة بالله وأسلوب للحياة
لا ينفصل أي منهما عن الآخر، وبهذا الفهم يستقيم معنى الدين، ويصير الدين دينا
بحق، وإلا كان الأمر هزلا في هزل.
ملخص لقصة شعيب -عليه
السلام- مع قومه من كتاب "أنبياء الله" – أحمد بهجت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق