السبت، 28 سبتمبر 2013

قصة طريق .. (القاهرة - الإسكندرية) الزراعي .. طريق الفلاحين !!







أسافر على الطريق الزراعي الذي يربط ما بين القاهرة والإسكندرية ويمر في دلتا مصر لأكثر من 10 سنوات ذهابا وإيابا ما بين القاهرة وطنطا، وهو طريق حيوي وأساسي تصب فيه حركة الركاب والبضائع بين القاهرة ومحافظات الدلتا بكثافتها السكانية العالية ويكاد أن يكون المنفذ الوحيد لمحافظات الدلتا والذي تنفذ منه إلى القاهرة و منها إلى محافظات الوجه القبلي والبحر الأحمر وسيناء والوادي الجديد.

بالرغم من الأهمية القصوى لهذا الطريق فلم ينله الإهتمام المناسب لأهميته، ويكاد يكون الطريق كما هو لم يتغير فيه شيء منذ أن أنشىء من عشرات السنين بالرغم من ازدياد الحركة على الطريق وتضاعفها مرات عديدة وزيادة حركة البناء والعمران على جانبي الطريق، حتى أصبح الطريق يمر في التجمعات السكانية، وهو ما نزع عن الطريق لفظ "السريع" الذي كان مقترنا به في بداية إنشاءه.

عندما بدأت السفر على ( طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي ) في نهاية التسعينيات كانت الحركة على الطريق تنساب بسهولة إلى حد كبير، وكانت الاختناقات البسيطة على الطريق تتركز في مدخل ومخرج القاهرة عند مدينة قليوب، وبدأت هذه الاختناقات تتصاعد بسرعة فتم على إثرها توسعة بضعة جسور على الطريق وزيادة عدد الحارات بها، وانعكست هذه التوسعة بالإيجاب على الطريق ولكنها استمرت فقط لوقت قصير بالرغم من أنها تكلفت ملايين الجنيهات، فالطريقة التي كانت تستخدمها الحكومات في هذه الفترة للتعامل مع المشكلات - وحتى الآن - كانت تتم بالقطعة من دون النظر للمشكلة بشكل موسع من كافة نواحيها والقضاء عليها بشكل جذري عن طريق حزمة متكاملة من الإجراءات في إطار خطة محكمة.

بمرور الوقت لم تعد الاختناقات تقتصر على مدخل ومخرج القاهرة فقط ولكن تجاوزتهما، وامتدت إلى مناطق كثيرة على طول الطريق وخاصة مع ازدياد التجمعات السكانية والأنشطة التجارية على جانبي الطريق، وكذلك نتيجة لإزدياد المطبات الإصطناعية على طول الطريق والتي تم بناء معظمها من قبل الأهالي للتقليل من الحوادث الكثيرة التي راح ضحيتها العشرات نتيجة لعبورهم الطريق وخاصة أن جسور عبور المشاة على طول الطريق قليلة جدا.

كل هذا كان يجري في غياب شرطة المرور وغياب دورها لتنظيم وضبط حركة المرور على الطريق، فحضور شرطة المرور على الطريق هزيل جدا ويغلب عليه الجانب الشكلي من دون أن يكون لها دور حقيقي وإيجابي على الطريق وخاصة في ظل المشاكل الكبيرة الغارق فيها جهاز الشرطة بأجهزته المختلفة والتي تجعله يقوم بأدوار ومهام كثيرة غير الأدوار والمهام التي من المفروض أن يقوم بها ويسأل عنها.

لم يكن خط قطارات الوجه البحري والذي يمر بجوار الطريق الزراعي بعيدا عن تلك المشاكل التي يعاني منها الطريق الزراعي، وإن اختلفت هذه المشاكل في طبيعتها وشكلها، ورغم ذلك فالقطارات تمثل حجرا وركنا رئيسيا في حركة ركاب الوجه البحري من وإلى القاهرة وخاصة مع توجه عدد كبير من موظفي الدولة والطلاب إلى القاهرة يوميا، فقطارات الصباح المتوجهة إلى القاهرة والتي تعود منها بعد الظهر لا تستطيع أن تجد مكانا للوقوف فيها إلا بصعوبة بالغة ولم يكن متخيلا أن تتوقف هذه الحركة في يوم ما، ففي الساعات القليلة التي كانت تتعطل فيها حركة القطارات لأحد الأسباب أو الحوادث الطارئة كانت الحركة على الطريق الزراعي تغرق في الفوضى وتزداد الاختناقات على الطريق بشكل كبير.


لم يتغير حال الطريق بعد ثورة 25 يناير، وأضاف عدم الاستقرار الذي حدث بعد الثورة بضعة مشكلات أخرى لمشكلات الطريق التي لا تنتهي مما أضاف عبئا إضافيا كبيرا على الطريق وعلى الركاب الذين يستخدمونه بشكل يومي أو شبه يومي، ففضلا عن أجرة الطريق التي أصبحت تزيد بشكل عشوائي ومستمر وبحجج واهية يختلقها السائقون، فقد ظهرت حالات "قطع الطريق" التي كانت تتم من بعض الأهالي لإسماع أصواتها للحكومة اعتراضا على مشكلة يواجهونها في الخدمات مثل انقطاع متكرر للكهرباء أو المياه أو حادثة سير نتيجة لعبور أحد الأهالي للطريق. لم يطرأ أيضا أي تغيير على دور شرطة المرور بعد 25 يناير واستمر غيابها عن الطريق وغياب أي دور فعال لها لضبط حركة المرور على الطريق وإن كان الغياب أصبح أكثر وضوحا وظهورا بعد ثورة 25 يناير.

كأن الطريق كان في حاجة لمشكلات إضافية تغرقه ويغرق فيها الركاب الذين أصبح الطريق يمثل لهم صداعا مزمنا، فمنذ 3 يوليو 2013 وما ترتب عليه من أحداث أضيفت مشكلات أخرى جديدة لقائمة مشاكل الطريق والتي ضاعفت بشكل كبير جدا من الأعباء على الطريق وعلى حركة نقل البضائع والركاب على الطريق، فقد مر أكثر من شهر ونصف منذ 3 يوليو وحتى الآن و هناك حظر تجوال ليلي على معظم محافظات الجمهورية وعلى رأسها القاهرة وهو ما قلص الفترة التي يعمل فيها الطريق وخاصة بالنسبة لعربات النقل الثقيل التي كان يعمل أغلبها ليلا واضطروا للعمل في النهار مما ضاعف الإختناقات على الطريق بشكل كبير جدا لم يسبق له مثيل.

أضف إلى ذلك أن ما كان دربا من دروب الخيال قد حدث بالفعل وأوقفت الحكومة الحالية حركة القطارت من وإلى القاهرة بشكل كامل لأكثر من شهر ونصف وحتى يومنا هذا، حتى أن عددا كبيرا من موظفي الحكومة الذين يعملون في القاهرة ويسافرون كل يوم أصبحوا غير قادرين على الذهاب إلى أعمالهم، ففضلا عن المعاناة على الطريق فقد أصبح عليهم عبء ثقيل أن يدفعوا بضعة جنيهات ذهابا وإيابا كان إشتراكهم سنويا في القطار يعفيهم منها، ورغم بدأ الدراسة رسميا وانتهاء الأجازة الصيفية فلم تعد حركة القطارات، وأظن أن توقف حركة القطارات بشكل شبه كامل لكل هذه الفترة لم يحدث في تاريخ مصر منذ أن أنشأ الإنجليز السكة الحديدية في مصر قبل أكثر من مائة عام.
في الأسابيع التي تلت 3 يوليو 2013 وما ترتب عليه من إجراءات أصبحت المسافة ما بين مدينة قها ومدخل القاهرة عند شبرا الخيمة والتي لا تزيد عن 15 إلى 20 كيلومتر تستغرق ما بين ساعة وساعتين وقد كانت تستغرق في أسوأ الظروف قبل ذلك ما لا يزيد عن ساعة وكانت غالبا ما تستغرق ما بين 20 إلى 30 دقيقة.

بدأت الدراسة بشكل رسمي بداية هذا الأسبوع يوم السبت 21-9-2013 ويوم الأحد ثاني يوم بعد أن بدأ الدراسة رسميا كنت عائدا من طنطا إلى القاهرة عبر الطريق الزراعي مقدما خوفي وقلقي من الطريق والوقت الذي قد أقضيه محبوسا ومحاصرا فيه، ولم يخذلني خوفي وقلقي فقد وصلت السيارة "الميكروباص" التي أركب فيها عند قها في حوالي التاسعة صباحا حيث قطعنا المسافة من طنطا وحتى مدينة قها والتي تبلغ حوالي 80 كيلومترا في حوالي ساعة وعندما وصولنا عند مدينة قها كان الطريق متوقفا تماما ويكاد يكون لا يتحرك مطلقا، فقلت في نفسي لعلنا سنقضي ساعة كالمعتاد تحت هذا الحصار الخانق نصل بعدها إلى القاهرة ولم أكن أعلم ساعاتها أن هذا كان تفاؤلا عظيما.

كنت جالسا إلى جوار السائق وحرارة الجومرتفعة ويزيد منها حصار الطريق والسيارات من حولنا، وبعد دقائق سمعت السائق يُحدث نفسه بأنه عند أول فتحة على يسار الطريق سيعبر منها ليمشى مخالفا عكس الإتجاه لعله يستطيع أن ينجو بنفسه والركاب من هذا الحصار، وهذا النوع من المخالفات شديدة الخطورة كان قد ظهر بوضوح في أعقاب 25 يناير وأجواء عدم الاستقرار التي أعقبتها وتراخي أجهزة الدولة عن القيام بواجباتها بسبب عدم الإستقرار أو عن قصد منها في أحيان اخرى، وكثيرا ما كنت ترى صفا من السيارات يمشى مخالفا في عكس إتجاه السير على أحد الطرق التي تمر عليها في غياب تام أو تجاهل للأمر من شرطة المرور.

ما إن سمعت السائق يحدث نفسه بما ينوي فعله أخذت أفكر في نفسي هل أحدثه بأن هذا أمر مخالف وأنه سيعرض حياتنا وحياة الآخرين على الطريق للخطر الشديد، أم أسكت وأتجاهل مخاوفي وأختلق بعض الحجج التي أسكت بها صوت عقلي وضميري لعل السائق يستطيع أن ينجو بنا من هذا الحصار وأستطيع أن أصل لعملي، ولم يمهلني السائق كثيرا في حيرتي تلك، فإذا به يمر من أول فتحة يقابلها على يسار الطريق وفعل مثله عشرات السيارات، وانطلقت السيارارت في صف واحد، وبعد بضعة مئات من الأمتار توقف الطريق بعد أن تداخلت حركة السيارات التي تسير في إتجاههها مع السيارات التي تسير في عكس إتجاهها والتي منها السيارة التي أركب بها، وذلك كله في غياب تام لشرطة المرورعلى طول الطريق منذ أن خرجنا من طنطا، رغم ما روجته الدولة والشرطة بعد أحداث 3يوليو من أنهما عائدان بقوة لتفعيل القانون ولكنه كالعادة غالبا ما تجد الدولة أو الشرطة حيث يجب ألا تجدهم وتفتقدهم حيث يجب أن تجدهم.

توقف بعض المارة ونزل بعض الركاب من سياراتهم ليحاولوا أن يصلحوا ما يمكن إصلاحه، وحاولوا أن يوجهوا السيارات المخالفة  للمرورمن أحد الفتحات على يمين الطريق للعودة إلى طريقهم مجددا حتى تستطيع السيارات الأخرى أن تمر في طريقها، وبالفعل بدأت السيارات المخالقة  تمر من الفتحة يمين الطريق والسيارات الأخرى تمر في طريقها ببطء وهي تلقي بالسباب واللعنات على السيارات المخالفة وركابها وسائقيها لأنهم تسببوا في تعطيلهم وتعطيل طريقهم الذي يسيرون عليه.

استطاع سائق السيارة التي أركب بها أن يعبر مجددا وبصعوبة لطريقه الصحيح وليس المخالف وتعالت أصوات بعض الركاب من السيارة، وهي تحدث السائق بأنه ما كان عليه أن يمشي على الطريق المخالف وأن يلتزم بطريقه رغما أن أحدا لم يحدث السائق بهذا الأمر قبل أن يعبر إلى الطريق المخالف، ويبدو أنهم مثلي حاولوا ان يختلقوا لأنفسهم بعض الحجج لعلهم يسكتون بها أصوات عقولهم وضمائرهم على أمل أن ينجوا من هذا الحصار وخاصة أن كلا منهم لديه ارتباطات بأعمال ومواعيد.

عدنا مجددا لنسير على طريقنا ونحن بالكاد نتحرك بضعة أمتار لنتوقف بعدها بضعة دقائق ولا ندري لماذا نتحرك ولا لماذا نتوقف ورغم أننا مررنا بحادثة اشترك فيها سيارة أو سيارتين على جانب الطريق إلا أننا وبعد أن تجاوزناها لم يتغير من الأمر شيئا وظللنا نتحرك لبضعة أمتار ونتوقف لبضعة دقائق، وهذه المرة كانت السيارات التي تمر بجوارنا على الطريق المقابل تنظر لنا ونحن في طريقنا بشفقة وتحدثنا بكلمات تحاول بها أن تواسينا فقد مروا في طريقهم بصفوف طويلة من السيارات تنتظر النجاة.

الحصار كاد أن يفتك بنا والعرق يتصبب من كل أجزاء جسمي وأكاد أن التصق بمقعد السيارة التي أجلس عليه وهناك سيارة نقل من إنتاج الستينيات أو السبعينيات على الأكثر تتحرك بجوارنا تماما وهناك دخان كثيف يخرج من فتحة العادم الخاصة بها وسائقها غير مهتم بالأمر حتى أنني عندما أشرت له ابتسم وقال: إنها في حاجة لإصلاح؛ والدخان كان يصب معظمه في نوافذ السيارة التي نركب فيها ويكاد أن يفتك بنا مع الحر، وكنا بين أمرين كلاهما مُر؛ إما أن نغلق نوافذ السيارة ونختنق من الحر أو أن نفتحها ونختنق من العوادم التي تلقي بها سيارة النقل التي ترافقنا على الطريق.

كان سائق سيارتنا يخرج سيجارة كل حوالي ربع ساعة حتى أنني عددت له  أكثر من عشر سجائر شربها، والركاب بين من ينطق بالشهادتين، وبين من يقول حسبي الله، ومن ينتقد غباء هؤلاء الذين اوقفوا القطارات ولم يستعدوا لهذا الأمر بنشر شرطة المرور على طول الطريق لضبط حركة المرور عليه، وآخر أخذ يردد أننا في حاجة لثورة أخرى حقيقية، وآخرين غرقوا في الصمت وإن كانت ملامح وجوههم تخبرك بالكثير، وظل الأمر على ما هو عليه في هذه المعاناة حتى وصلنا لمدخل القاهرة عند شبرا الخيمة حوالي الثانية عشرة والنصف ظهرا وبذلك نكون قد قطعنا المسافة من مدينة قها وحتى مدخل القاهرة والتي تبلغ حوالي 20 كيلومترا في أكثر من ثلاث ساعات.

كانت هذه بعض المشاهد التي حاولت أن أجمعها من الماضي القريب والحاضر لتخبرنا عن حال طريق يمر في أرض مصر، وليس الطريق هو فقط تلك السجادة الطويلة من الأسفلت ولكن الطريق هو الأسلفت والسيارات والناس الذين يمرون عليه، وكذلك الحقول والعمران والناس على جانبي الطريق ومن حوله وسلطة الدولة التي تقوم على خدمة ونظام الطريق، وبقدر ما تخبرنا هذه المشاهد عن حال طريق يمر في دلتا مصر وزراعاتها بين القاهرة والإسكندرية فإن هذه المشاهد تخبرنا الكثير أيضا عن حال مصر وأهلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق